دار هذا الحوار بين مازن ووالده:
الأب: يجب عليك يا مازن ألا تلعب، واهتم بمذاكرة دروسك.
مازن: ولكني يا أبي، أَمل من كثرة المذاكرة، فأريد أن ألعب قليلًا مع أصدقائي.
الأب: قلت لك لا تلعب، فيجب أن تكون جادًا في حياتك، فالفاشلون هم الذين يضعون وقتهم في اللعب، وإذا رأيتك تلعب مرة أخرى، فلن تخرج من المنزل لمدة أسبوع.
مازن في بكاء: حسنًا.....
ظل مازن يذهب إلى مدرسته ويرجع ليذاكر لمدة يومين وهو على هذه الحالة، ثم في اليوم الثالث جاء إلى والده.
مازن: أبي أريد أن ألعب.
الأب: أنت الذي حفرت قبرك بيدك، إذًا فلن تخرج من البيت لمدة أسبوع.
مازن في عناد: وأنا لن أذاكر لمدة أسبوع.
الأب: أتكسر كلمتي......
قام الوالد بضرب ابنه حتى أصابت مازن حالة من الاكتئاب النفسي فظل لا يتكلم مع أحد لمدة ثلاثة أيام، حتى أتى الدكتور صدِّيق الطبيب النفسي ليكشف عن حالة مازن.
الدكتور للأب: ما الذي حدث؟
الأب: أمرته بعدم اللعب والمذاكرة، فعصى أمري، وطلب مني اللعب، فقمت بضربه.
الدكتور صدِّيق: لقد ارتكبت كارثة.
الأب: كارثة!!
الدكتور صدِّيق: نعم، لأنك تجهل طبيعة مرحلة ابنك، فالطفل في سن العاشرة، يكون عنده طاقة كبيرة، يريد أن يفرغها في اللعب، فكونه يطلب منك اللعب، فهذا أمر صحي.
الأب: ولكني أخاف عليه أن يضيع وقته في اللعب فيفشل في دراسته.
الدكتور صدِّيق: أنا لا أقول لك إنه سيقضى جل وقته في اللعب، ولكنه أمر يجب الاعتناء به في هذه المرحلة، بل وفي كل المراحل، فالترويح عن النفس يساعد على استعادة النشاط من أجل مواصلة الجد سواء كان ذلك في المذاكرة أو العمل.
الأب: إذًا ماذا عليّ أن أفعل؟
الدكتور صدِّيق: خصص له وقتًا في اليوم ولتكن ساعة أو ساعتين يقوم بالترفيه عن نفسه فيها، حتى يكون ولدك في أتم صحة نفسية وجسدية.
وبعد هذا الحوار، قام الأب بتعلم الدرس، وسمح لمازن باللعب مع أصدقائه بعد أن ينهي مازن مذاكرته.
طفلك ينمو باللعب:
كثيرة هي التفاعلات اليومية والمجادلات التي تكون بين الآباء والأبناء، والتي لا يُحصى عددها بشأن قضية اللعب والمذاكرة، فلاشك أيها الوالد أن اللعب مهم جدًافيجب أن تعلم أيها المربي أن علم النفس يؤكد على حاجة الطفل للعب والترفيه عن نفسه (حيث يفيد اللعب والحركة الحساسية الباطنة ممثلة في أعضاء الحس من حيث العضلات أو الأوتار والمفاصل، وهي ما يسمى بالرياضة الوظيفية لأعضاء الجسم، وهو يبعث الرضا والارتياح في نفس الطفل، لأنه يجعله في نشاط وفاعلية كما ينمي الجهاز العضلي، ويمتد النمو من المجموعات العضلية الكبيرة إلى الصغيرة، كما أن اللعب والنشاط تشبع حاجة الطفل للاستطلاع والمعرفة والفهم للعالم المحيط به، وتساعد في بناء شخصيته الإنسانية، بما يؤدي إليه من تنمية روح الإقدام والمشاركة والمبادأة، وتشبع حاجته إلى الإنجاز والتعبير عن الذات) [علم النفس الأسري، أحمد محمد مبارك الكندري، ص(136)، بتصرف].
إن اهتمامك بطفلك أيها الوالد ينبع من حرصك على تنمية دافع الفضول لديه، (فحاول ألا تكون سلبيًا أمام خياله، فإذا قال لك مثلًا عن علبة اللبن الفارغة: إنها سيارة فلا تسارع إلى تحطيم خياله، فتقول: هذه ليست سيارة، بالنسبة إليه هي سيارة تمشي ولها محرك، وعلى العكس حاول أن تشجع خياله على التصور والإبداع) [أولادنا من الطفولة إلى الشباب، مأمون مبيض].
السنة تؤكد اللعب المفيد:
عن سلمة بن الأكوع قال (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا) [رواه البخاري].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير ما فعل النغير) [البخاري].
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قط ضاحكًا حتى أرى منه لهواته ؟ أينما كان بتسم) [البخاري].
قول النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة مشفقًا عليه: (ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) [مسلم].
عن عائشة قالت: (دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم قالت وليست بمغنيين، فقال أبو بكر بمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا بكر إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا) [مسلم].
عن عائشة قالت: (كان الحبش يلعبون بحرامهم فسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنجرف فأقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو) [البخاري].
(وكان عليه السلام لا يثقل على صحابته وإنما كان يروح عنهم، ويتخولهم بالموعظة حتى لا يسأموا، فعن ابن مسعود رضي الله عنه (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا) [متفق عليه]، ويستنبط ابن حجر العسقلاني من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال) [التربية في السنة النبوية، أبو لبابة حسين، ص(76)].
فلهذا الجانب أهمية بالغة في التربية فهو يكسب الأطفال الثقة بأنفسهم فيشبوا على تعلم مهارات كثيرة تكون أساسًا لكثير من الأنشطة الحياتية إذا كبروا (وهناك فائدة أخرى مهمة في توفير الوالدين والمربين الألعاب بين يدي الأطفال، وهي تفريغ طاقاتهم المكبوتة وتوجيهها الوجهة الصحيحة وصرفهم عن اللهو الحرام والسلوك الخاطئ).[كيف نربي أبناءنا تربية صالحة، حمد حسن رقيط، ص(19)].
فوائد اللعب:
للعب فوائد كثيرة، منها:
1) (" القيمة التوبوية : حيث يعرف الطفل من خلال اللعب الأشكال المختلفة والألوان والأحجام.
2) القيمة الاجتماعية : إذ يتعلم من خلال اللعب كيف يبني علاقات مع الآخرين بنحو ناجح.
3) القيمة الخُلقيه: حيث يتعلم الطفل مفهوم الخطأ والصواب والعدل والصدق.
4) القيمة الإبداعية: حيث يجرّب أفكاره وينمي أساليبه.
5) القيمة الذاتية: إذ يحدد الطفل خلال اللعب إمكاناته وطاقاته.
القيمة العلاجيه النفسيه: حيث يصرف عن ذاته الشعور بالتوتر، كما يصرف ويتحرر من بعض القيود) [عبد المجيد طعمه حلبي، التربية الإسلامية للأولاد منهجًا وهدفًا وأسلوبًا، ص (87)].
اللعب الهادف المفيد:
هناك أنواع عديدة من اللعب المفيد:
1) إجراء المسابقات الرياضية بين الأطفال
(وهذا الأسلوب من الأساليب المشجعة لإجراء التنافس المحمود بين الأطفال لما فيه من الفائدة لأجسامهم النامية، فقد كان رسول الله ـ صلى الله عيله وسلم ـ يجري المسابقات في الجري بين الأطفال) [سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص(424-425)].
2) لعب الكبار مع الصغار والأطفال:
(إذا أراد الأطفال اللعب مع الكبار؛ وجب على الكبار تلبية ذلك، وأثناء اللعب يجب أن يخضع لزعامة الصغار ، نتقبل الفكرة أو الخطة التي يرسمونها، ولا نفرض عليهم ما نود نحن في اللعب، وفي أثناء اللعب معهم نستطيع أن نوجه لعبة ونشاطه في لباقة وفهم، ونحاول غرس وتوجيه الطفل الى ما نريده، وكان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حريصًا على اللعب مع الصغار ونَوَّع في اللعب معهم فمرّةً لعبهم بالجري ومره بالحمل على الظهر وغير ذلك.
3) لعب الأطفال مع الأطفال
عندما ينهمك الوالدان في خضم الحياة، ويبتعدون عن التعايش مع رغبات أطفالهم أو يكونوا ليسوا منتبهين لتلبية رغبة أطفالهم، في هذه الحال ينصرف الأولاد للعب، غير أن الوالدين يختارون لأولادهم من يلعبون معهم كي لا يتأثروا بأولاد غير مهذبين) [عبد المجيد طعمه حلبي، التربية الإسلامية للأولاد منهجًا وهدفًا وأسلوبًا، ص (83-85)].
ماذا بعد الكلام؟
الحاجة إلى اللعب حاجة مهمة لدى الطفل لا يمكن أن يستغني عنها، بل الغالب أن الطفل قليل اللعب يعاني من مشكلات أو سوء توافق.
(وعلى الوالد في تعامله مع هذه الحاجة أن يراعي الآتي:
إعطاء الابن الوقت الكافي للعب وعدم إظهار الانزعاج والتضايق من لعبه.
استثمار هذه الحاجة في تعليمه الانضباط والأدب، من خلال التعامل مع لعب الآخرين وأدواتهم، وتجنب إزعاج الناس وبخاصة الضيوف، وتجنب اللعب في بعض الأماكن كالمسجد أو مكان استقبال الضيوف.
استثمار اللعب في التعليم، من خلال الحرص على اقتناء الألعاب التي تنمي تفكيره وتعلمه أشياء جديدة.
الحذر من التركيز على ما يكون دور الطفل فيها سلبيًّا، أو يقلل من حركته، كمشاهدة الفيديو أو ألعاب الحاسب الآلي، فلا بد من أن يصرف جزءًا من وقته في ألعاب حركية،...، كاللعب بالدراجة أو الجري ونحو ذلك)[تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان، ص(142)].
المصادر:
· تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان.
· عبد المجيد طعمه حلبي، التربية الإسلامية للأولاد منهجًا وهدفًا وأسلوبًا.
· سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية.
· علم النفس الأسري، أحمد محمد مبارك الكندري.
· أولادنا من الطفولة إلى الشباب، مأمون مبيض.
· كيف نربي أبناءنا تربية صالحة، حمد حسن رقيط.
· التربية في السنة النبوية، أبو لبابة حسين.