تربية الاطفال
تربية الطفل تعني في المنظور الاسلامي إنماء الغرائز المعنوية والإهتمام باعتدال الغرائز المادية ... فسعادة الطفل تتحقّق في التعامل الصحيح مع نفسه وليس مع جسده، بثوب جميل يرتديه أو حلي يتزيّن بها أو مظهر جذّاب يحصل عليه ...
ويتخلص الطفل من الالم حين يمتلك الوقاية من الإصابة بالامراض النفسية كالغيرة والعناد والكذب... ويجدر بالوالدين إمتلاك الوعي اتّجاه هذهالحقيقة التي جعلها الاسلام من الواجبات عليهما (أم وأب) لما فيها من أثر كبير علىالمجتمع .
أثر التربية على المجتمع :
إنّ أكثر العظماء الذين قضو حياتهم في خدمة الناس، كانوا نتاج تربية صحيحة تلقوها في صغرهم فأثرت على صناعة أنفسهم فأصبحواعظماء بها .. والقرآن الكريم حين يحدثنا في أطول قصة جاءت فيه تدور أحداثها عنالصراع القائم والدائم بين الحق والباطل ...
ومن أبرز الشخصيات التي واجهت الظلم بكل أبعاده وعناوينه هو
موسى (ع) الذي جعله القرآن رمزاً في التحدّي والمواجهة للظاهرة الفرعونية على الارض ... نجد أن طفولته (عليه السلام) كانت تحت رعاية أم وصلت من خلال تربيتها لنفسها الى درجة من الكمال الانساني اوصلها الى درجة أن يوحى إليها :﴿ وأوحينا الى أمّ موسى ﴾ (القصص : 7 ) .
ثم تلقفته يد أخرى لها مكانة أيضاً في مدارج التكامل الإنساني وهي آسية زوجةفرعون التي تخلّت عن كلّ ما تحلم به المرأة من زينة ووجاهة اجتماعية مقابل المبدأوالحركة الرسالية وتعرضت لوحشية فرعون الذي نشر جسدها بعد أن وتده على لوحة خشبيةوهي تدعو :
﴿رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعونوعمله ﴾ (التحريم : 11 )واصبحت بذلك مثلاً ضربه الله للرجال والنساء المؤمنين :﴿ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون﴾ (التحريم : 11 ).
وبالمقابل نجد ان أكثر من يعيث في الأرض فساداً أولئك الذين وجدوا في صغرهمأيادي جاهلة تحيط بهم.. وبمراجعة بسيطة في مزبلة التأريخ تلحظ طفولة المجرمينوالطغاة نساءاً ورجالاً قاسية جافة بسبب سوء التعامل مع النفس البريئة.جاء في الحديث الشريف : (
قلب الحدث كالارض الخالية ، ما ألقي فيها من شيءقبلته)(الوسائل : باب 84 ) . (بادروا (أحداثكم) بالحديث قبل ان تسبقكم إليه المرجئة) ( الوسائل : باب 84 ) .
ومن الحديث الاول يتضح أن نفسية الطفل كالأرض الخالية التي تنبت ما أُلقيفيها من خير أو شر يتلقاه الطفل من والديه من خلال التعليم والسلوك... ومن الحديثالثاني تتضح ضرورة الاسراع في إلقاء مفاهيم الخير في نفسه الخصبة قبل ان يسبقنااليه المجتمع ليزرع في نفسه افكاراً او مفاهيم خاطئة.تقويم السلوك :وتبقى التربية في الصغر عاملاً مؤثراً على سلوك الفرد وليسحتمياً .. بمعنى إن الفرد حين يكبر بإمكانه أن يعدل سلوكه وفكره فيما لو تلقى تربيةخاطئة في صغره ... فله أن يجتثّ في سن الرشد أصول الزرع الشائك الذي بذره الوالدان في نفسه صغيراً .. وبإمكانه أن يذهب العقد التي خلفتها التربية الخاطئة وليمحو رواسبها.جاء في الحديث الشريف عن
الامام الصادق (ع) : ( إنّ نطفة المؤمن لتكون فيصلب المشرك فلا يصيبها من الشر شيء، حتى إذا صار في رحم المشركة لم يصبها من الشرشيء، حتى يجري القلم ) (الكافي: 2).
ويعني (حتى يجري القلم) هو بلوغ الفرد مرحلة الرشد والتكليف ، فيكون مسؤولاًعن نفسه وعمله ليحصل بذلك على سعادته وشقائه باختياره وإرادته.كيف يتم التعامل مع الابناء ؟إنّ المربي الاسلامي يلزم الوالدين بأنواع من أساليب التعامل موزعة على مراحل ثلاث من حياة الأبناء ... وينبغي للوالدين معرفة وتوفير حاجات الابناء في كل مرحلة .
وهي باختصار كالآتي :
المرحلة الاولى : وفي هذه المرحلة ينبغي على الوالدين التعامل مع الطفل علىاساس حاجته التي تتميّز بـ:
1ـ اللعب
2ـ السيادة .وكما جاء في النصوص الشريفة عن
النبي (ص) : (الولد سيّد سبع سنين..) ( بحارالانوار :ج 101 باب فضل الأولاد ).وعن الإمام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبع سنين...) (المصدر السابق).وعن الإمام الصادق (ع) ايضاً : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين..)ولعب الطفل التي تتحدث عنه الرواية تعني عدم إلزامه بالعمل فيما يتعلم منوالديه.. وسيادته تعني قبول أوامره دون الإئتمار بما يطلبه الوالدان .. أما اهماله فهو النهي عن عقوبته .. فهذه المرحلة تكون نفسية الطفل بيد والديه كالأرض الخصبةبيد الفلاح تتلقف كل ما يبذر فيها من خير أو شرّ. ( قلب الحدث كالارض الخالية، ماالقي فيها من شيء قبلته).
المرحلة الثانية :وفي هذه المرحلة يجدر بالوالدين التعامل مع الطفل على اساس :
1ـ عبودية الطفل .
2ـ ادب الطفل.فقد جاء في النصوص الشريفة : عن النبي (ص) : (الولد سيد سبع سنين ، وعبد سبعسنين ).وعن الإمام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبع سنين ، ويؤدب سبعاً..)وعنه ايضاً : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين، ثم أدبّه في ست سنين) .وعبوديّة الطفل تعني طاعة والديه فيما تعلّم منهم في المرحلة الأولى، وأدّبهتعني إلتزامه بالنظام وتحمّله للمسؤولية، وهذه المرحلة بالنسبة للوالدين تشبه عندالفلاح وقت نمو الزرع الذي بذره وظهور الثمر.
المرحلة الثالثة :تختلف هذه المرحلة عن الثانية في انّ الأبناء أصبحوا فيالمستوى الذي يؤهلهم لإتخاذ مناصبهم في الأسرة .. فالولد (ذكر أو أنثى) في هذه المرحلة :
1ـ وزير لوالديه .
2ـ مستشار لهم.فقد جاء في الحديث الشريف، عن النبي (ص) : ( الولد سيد سبع سنين، وعبد سبعسنين، ووزير سبع سنين).وعن الامام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبعاً، والزمه نفسكسبع سنين فإن أفلح وإلاّ فإنّه لا خير فيه)وعنه ايضاً (ع) : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين ثمّ أدّبه في الكتاب ستسنين، ثم ضمه إليك سبع سنين، فأدّبه بأدبك فإن قبل وصلح وإلاّ فخل عنه).ففي هذه المرحلة يكون الولد (ذكراً أو أنثى) كالنبات الذي حان وقت قطفثماره.. فهو وزير لوالديه كالثمر للفلاّح، ووزير الملك الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه . ( مجمع البحرين مادة وزر).ولقد دعا موسى (ع) ربّه أن يكون له وزير في مهمته الصعبة
:﴿واجعل لي وزيراً من أهلي﴾ (طه : 29).
ثم إنّ الزام الوالدين للولد في هذه المرحلة وضمه اليهما كما جاء في النصوصالشريفة تعني كونه مستشاراً لهم الأمر الذي يفترض قربه ودنوه من والديه ... أمّا إنكان الولد (ذكراً أو أنثى) في هذه المرحلة غير مؤهل لهذا المنصب في الوزارةوالاستشارة ... فهذا يرجع الى سوء التعامل معه في الصغر .. فعدم وجود الثمرة يرجعالى البذرة لا الى التربة الخصبة، كذلك نفسية الطفل التي تنبت مابذر فيها ... ولا علاج لهذه الثمرة الرديئة ولا ينفع الأدب معها، وهو ما تشير اليه الرواية (فخلّ سبيله) أو (فإنّه لا خير فيه) .