كيف أكون الزوجة الصالحة المتبعلة لزوجي؟
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا: جزاكم الله كل خير على ما تقدمونه من خدمات على هذا الموقع وبعد:
أنا مهندسة تزوجت منذ 3 سنوات كان عندي 27 سنة ورزقني الله بطفلتين جميلتين والحمد لله.
عندما كنت في مرحلة الجامعة كان قد تقدم لخطبتي أحد زملائي كان مهندسا مثلي، وكان مجتهدا وملتزما وخلوقا، ولكني كنت صغيرة في السن، ولم تكن خبرتي في الحياة كبيرة، لم أقبل الزواج منه لأني خفت من شدة تدينه، ومرت السنون وتزوج بإنسانة متدينة وفاضلة - والحمد لله - أما أنا فالتحقت بعمل في شركة من الشركات الناجحة - والحمد لله - أثبت نفسي علميا وخلقيا، وأثناء هذه الفترة تعلمت وتغيرت وتقدم لخطبتي الكثير، ولكن لم أجد فيهم ما تمنيته من الخلق والدين، وأدركت أن أنسب زوج لي هو الذي رفضته منذ سنين، ومرت السنون حتى أصبح عمري 27 سنة، ومثل كل البنات أدركني القلق، وقدمت تنازلات عن بعض الشروط التي وضعتها لشريك الحياة (أتعبت أمي كثيرا معي وأبي متوفى) تزوجت من محاسب خلوق وملتزم والحمد لله، ولكني لا أشعر أنه ما تمنيته، وأنه هو الرجل الذي صبرت حتى أجده، وهذه بعض النقاط التي تبعدني عنه.
1- كسول غير طموح، حتى عندما يخطط لدراسة شيء جديد أجده يضيع فيها وقتا كثيرا، وهي غير منجزة وغير مفيدة.
2- أنا أعمل في شركة خاصة، ومرتبي كبير، وهو يعمل في قطاع حكومي، ولا يطور نفسه.
ملحوظة: في فترة الخطوبة كان يقول أنه سوف يدرس كذا وكذا، وسوف يبحث عن عمل إضافي.
3- هو يشاهد التلفاز بكثرة جدا، يتقلب من تمثيلية لأخرى، ومن فلم لآخر، وعندما أكلمه في هذا الموضوع لا يستمع إلي، وهذه هي الوسيلة الوحيدة للتسلية عنده.
4- أنا طموحي أن أدخل بناتي مدارس جيدة تعلمهم، وأن يعيشوا في مستوى جيد مثل أقاربهم، ولكن هل أسعى لتحقيق هذا الحلم وحدي؟
5- هناك فرق في المستوى الاجتماعي بيننا، أنا لا أهتم به لأني كنت أبحث عن الخلق الطيب، ولكنه هو الذي يأخذ كل موقف مني أو من أهلي بحساسية.
6- أنا أشعر دائما بالندم، وأقول لنفسي شوفي الفرق بينه وبين زميلك الذي رفضته ثم أستغفر الله وأحمده.
7- ما يضايقني هو إحساسي الدائم بعدم الرضا به، أعلم أنه قدري الذي رزقنيه الله، ولكن هذا الإحساس ينعكس على حسن التبعل له، وحتى التزين له أفعله وأنا متصنعة، وأحيانا لا أستطيع.
8- وبعد أن كنت أحلم بزوج أسعده ويسعدني، وأكون له زوجة صالحة وأقر عينه ويقر عيني، أصبحت أخشى الآن غضب ربي علي، وأشعر أني لست الزوجة الصالحة التي تمنيت أن أكون هي، حتى أني أشعر أني لا أريده زوجا لي في الجنة إن شاء الله.
سؤال: كيف أكون الزوجة الصالحة له في الدنيا؟
ملحوظة: حتى عباداتي وأمانيّ قد قلت وانشغلت كثيرا ببناتي، لم أعد مثل ما كنت قبل الزواج.
الجـــواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فهذه الكلمات الكريمة تعطي صورة واضحة عن طبيعة شخصيتك وعن طبيعة المشكلة التي تعانين منها، إنك - بحمد الله - عز وجل - امرأة صاحبة همة، تريدين معالي الأمور، فأنت مثلاً تحبين النشاط، تكرهين الكسل والدعة، تنظرين إلى أن هذه الحياة أنه لا بد لها من بذل، ولا بد لها من عطاء، فكما أن المؤمن يسعى في مصلحة آخرته فلا بد أن يسعى في مصلحة دنياه، وهذا عند التحقيق يرجع إلى مصلحة الآخرة، فإن المؤمن إذا طلب الدنيا بقصد التقوي على طاعة الله كان طلبه للدنيا هو طاعة لله - عز وجل -، فإن الأعمال بالنيات، كما قال - صلوات الله وسلامه عليه-: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) متفق على صحته.
ولذلك أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في فيِّ امرأتك)) فهذه الهمة العالية تجعلكِ حريصة على التقدم دائمًا، فأنت لا تكرهين التأخر فقط، بل وتكرهين أن يظل الإنسان في مكانٍ واحد لا يتجاوزه؛ فتريدين أن يتقدموا إلى الأمام، فمثلاً تريدين من زوجك أن يكون أكثر همة في الرقي بنفسه سواء كان ذلك من الناحية الدينية، وسواء كان في الناحية الدنيوية، تريدين أن تضعي خطة لأن يكون هنالك مستقبل مشرق لأولادك حفظهم الله - تعالى -ورعاهم وهذه أمور لا تذم، بل هي محمودة - بحمد الله - عز وجل - وتدل على الكياسة والعقل، ولكن ها هنا أمر لابد من الالتفات إليه، إن الذي لديك الآن في التعامل مع زوجك ليس راجعًا في الحقيقة إلى كثير من الصفات السلبية التي في زوجك كما قد يقع في النفس، كلا فإن زوجك فيه خير كثير كما أشرت في كلامك ففي معدنه الصلاح والخلق الحسن، وأنت - بحمد الله - عز وجل - لا تشكين من ذلك، ولكن قد يوجد لديه بعض التأخر في أمر طاعة الرحمن، وذلك مثلاً كإفراطه في مشاهدة الأفلام والمسلسلات والتي لا تخلو من المحرمات كما لا يخفى على نظرك الكريم فهذا أمر ينبغي الانتباه له.
وهنالك تصور عام لديك أن زوجك صاحب همة ليست قوية، وأن همته فيها شيء من التراخي، وأنه يحتاج إلى همة أعلى، وكذلك يحتاج إلى أن يكون حازمًا في تحصيل مصالحه، فكل ذلك جعلك تعقدين بينك وبين نفسك مقارنة مع ذلك الخاطب الذي كان يظهر فيه آثار هذه الهمة العالية لاسيما وأنه صاحب وظيفة حسنة مضافًا إلى ذلك ما قد يكون لديه من المستوى الاجتماعي والمادي وغير ذلك من الصفات التي ترغبينها في الأصل، فهذه المقارنة ظلت تكبر في نفسك شيئًا فشيئًا، فلا يكاد يصدر شيء من زوجك لا يعجبك حتى قارنت بينه وبين ذلك الخاطب الذي قد تقدم إليك يومًا وقد رفضته، وهذا قد صرحت به من خلال كلماتك الكريمة عندما شعرت أنك أحيانًا تتندمين على رفضك ذلك الخاطب وعلى قبولك بهذا الزوج.
وهذا - يا أختي - هو السبب فيما تشعرينه الآن من الهم والغم وربما من التقصير أحيانًا في النواحي الزوجية التي ينبغي أن تكوني على أحسن حال فيها كالتزين والتبعل والقيام على زوجك وغير ذلك من الأمور، وربما قاد هذا أيضًا إلى شيء من سوء العشرة دون أن تقصدي ذلك كأن تكوني قليلة الابتسام في وجه زوجك، ربما تعبسين في وجهه أحيانًا، ربما لا تعاملينه بالرقة المطلوبة والحنو المطلوب، والود الذي ينبغي أن تكون عليه المرأة المؤمنة مع زوجها، فكل هذا قد يكون له تأثير لديك، ولو على شيء يسير، نظرًا لهذه المقارنة التي لا زالت قائمة في نفسك، والتي دخل منها الشيطان لأجل أن يجعلك تشعرين بالإحباط أو تشعرين أن حياتك الآن ليست هي الحياة المرجوة والتي كنت تأملينها، فهذا أمر لابد من الوقوف عليه ولابد أن تتدبريه وأن تعطيه حقًّا من النظر والإمعان؛ لأنه هو الأساس في علاج هذه المشكلة.
فإن قلت: فكيف ذلك؟ فالجواب: لأن هذه المقارنة التي تعقدينها في نفسك والتي تجدينها حاضرة بين عينيك حتى ولو بدون قصد هي السبب في تلك الغصة التي قد تشعرين بها عندما تتذكرين رفضك ذلك الخاطب وما صار إليه حالك الآن من الزواج بزوجك الكريم في هذا الوقت، فهي تشعرك وكأنك قد خرجت من الأحسن إلى الأدنى وخرجت من الأكمل إلى الأقل كمالاً، فهذا هو الذي يجعلك تشعرين بالنغص وتشعرين بالهم والغم؛ ولذلك لابد أن تنتبهي إلى هذا المدخل ولتنظري إلى صفات زوجك الكريم الإيجابية الحسنة، وقبل ذلك نود أن نشير إلى أمر لابد من الانتباه إليه:
إن عليك أن تتدبري أمرًا عظيمًا في هذا الشأن، وهو أن كثيرًا من الزوجات قد يكنَّ متزوجات رجالا فيهم خير كثير بحسب الظاهر وفيهم الصفات المرغوبة ولكن لا تدري المرأة حقيقة أخلاقه التي هو عليها في داخل بيته، لا تدري هل هو من النوع الذي يسيء عشرة زوجته أم لا، هل يقسُو عليها بعباراته أم لا، هل يفيض عليها من حنانه أم لا..نعم قد يكون ناجحًا في حياته الدنيوية، وكذلك قد يكون ظاهره الصلاح ولكن قد يكون ليس من أصحاب المشاعر الرقيقة التي يبذلها لزوجته والتي قد تشعر المرأة بالحرمان لأجلها، فهذا النظر يعطيك فرصة بأن تنظري إلى زوجك أن فيه - بحمد الله - عز وجل - صفات حسنة، فمثلاً قد تجدين فيه الطيبة وحسن الخلق والرقة معك في التعامل، وقد تنظرين إلى صفات أخرى منها عفافه وعدم جريه وراء الحرام ووراء العلاقات المحرمة، تنظرين إليه على أنه رجل بيت يحاول أن يكون مع أسرته، ويحاول أن يشاركها أفراحها، وأن يكون هو الرفيق والصاحب لزوجته.
نعم قد يكون هنالك تقصير في بعض الجوانب المادية التي ينبغي أن يحرص على أن يحسن وضعها، وكذلك في الجوانب الإيمانية وهي الأوكد إلا أن هذا يمكن علاجه، فبدل أن تعقدي المقارنة بين ذلك الخاطب الذي قد ولَّى زمنه وبين زوجك، عليك أن تنظري إلى زوجك على أنه هو حبيبك، وعلى أنه هو أبو ولدك وأنه هو رب أسرتك، وأنك له وهو لك، ولا ينبغي أن يصل بك النفور إلى أن تقولي إنني لا أريد أن يكون زوجي في الجنة، ولكن قولي أريد أن أكون معه زوجة صالحة لنكون من أسعد الأزواج في الجنة، إن كان في زوجي تقصير فسأحاول إعانته على طاعة الرحمن، خذيه بالرفق وبيني له مثلاً أن هذه الأفلام وهذه المسلسلات لا تزيده إلا بعدًا عن الله، فهي معصية لله - جل وعلا - من جهة، وهي تهدر الوقت من جهة أخرى.
وهي أيضًا تبلد الإحساس نظرًا لأنها تجعل الإنسان يذهب في الخيال بعيدًا ويعيش خيالاً غير واقع، هذا عدا ما تبثه كذلك من المفاهيم المغلوطة والتي فيها البعد عن الله - جل وعلا -، وعدا ما في ذلك من النظر إلى النساء المتبرجات واستماع المعازف المحرمة وغير ذلك من المحرمات، وقد قال - جل وعلا -: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن النظرة الفجأة فقال: ((اصرف بصرك)) رواه مسلم في صحيحه. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (( لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك والثانية عليك)) رواه أحمد في المسند.
فهذا أمر لابد من علاجه، وليس هو محصورًا في هذا الشأن ولكن لابد أن تقوي من زوجك إيمانيًّا، حثيه على صلاة الجماعة، حضيه أن يكون محافظًا على صلاة الفجر في الجماعة في المسجد، أن يكون صاحب هم في الرقي بكم دينيًّا ودنيويًّا، فلتذهبوا مثلاً في أداء النسك العظيم (الحج) أو (العمرة)، فهذا يحتاج منك أن تقفي إلى جانبه، فبدل أن تحثيه بطريق النصيحة المباشرة وبطريقة العتاب مثلاً أو بطريق إظهار الرأي الصواب في هذا مثلاً فليكن حثك بأن تتزيني له وأن تبذلي جهدك في ذلك وأن تعدي له عشاء لطيفًا يحبه، ثم إذا تناول معك الطعام فبادليه المشاعر الكريمة والكلام اللطيف الذي يدور بين الزوجين والذي يعبر عن المودة الصادقة قولي له: يا حبيبي يا زوجي الغالي، أود أن نحرص على أن نقوي إيماننا أن نكون زوجين مطيعين لله - عز وجل -، أريدك أن تكون زوجي في الدنيا وزوجي في الآخرة، لماذا لا نضع لنا نظامًا نسير عليه في طاعة الرحمن في بيتنا ونسير عليه كذلك في إصلاح دنيانا كما قال - صلوات الله وسلامه عليه -: ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)) أخرجه مسلم في صحيحه.
فما رأيك لو أننا تركنا النظر إلى المحرمات التي تعرض على شاشات التلفاز، ما رأيك لو أننا سعينا في أن نرتقي بأنفسنا من الناحية العلمية فتقوم أنت بتحصيل درجة أخرى عن طريق الدراسة أو الحصول على عمل يناسبنا حتى نستطيع أن نوجد مصالحنا الدنيوية لأولادنا ووضعهم في المدارس اللائقة بهم، وبنحو هذه العبارات اللطيفة الحبيبة إلى القلب يشعر زوجك أنك تقدمين له النصيحة ليس عن طريق الأمر المباشر ولا عن طريق التوبيخ ولا عن طريق العتاب ولكن عن طريق الزوجة المحبة الناصحة.
مضافًا إلى ذلك أن تبيني له إعجابك به، أن تبني له أنك محبة إياه، فإذا أشار برأي قدرت رأيه ونظرت إليه باحترام وتقدير، حتى ولو كنت غير مقتنعة به، فبيني له أن رأيه مقبول وقابل أن يكون صوابًا ولكن لعل الرأي الأصوب هو كذا وكذا.. فخذي زوجك في أحضانك وحاولي أن ترتقي به، فأنت تستطيعين أن تأثري فيه وأن تجعلي منه العبد الصالح والزوج الوفي، وتستطيعين أن تجعليه حريصًا على مصالحه في دينه ودنياه، فهذا هو الأسلوب الذي ينبغي أن تحرصي عليه، وليس بأن تظلي تعقدي تلك المقارنة، بل من هذه اللحظة اتركيها وانبذيها وإذا مرت على خاطرك فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم وابذلي جهدك في صلاح بيتك، والله يتولاك برحمته ويرعاك بكرمه،
وبالله التوفيق.