[centerخطوات علاجية عند النفرة الزوجية
عناصر الموضوع :
1.المعاشرة بالمعروف
2.تفسير آية نشوز المرأة
3.المرتبة الأولى الوعظ
4.المرتبة الثانية الهجر
5.المرتبة الثالثة الضرب
6.الرد على من يقول بأن الإسلام أمر بضرب المرأة
7.إحصاءات لضرب المرأة عند من يدّعون مناصرة حقوقها
8.المرتبة الرابعة اختيار الحكمين
9.سعي الشريعة للصلح بين الزوجين
10.نشوز الزوج
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
المعاشرة بالمعروف
الحمد لله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليهن، وجعل بيننا وبينهن مودة ورحمة، وجعل الله -سبحانه وتعالى- من الرجل والمرأة خلقه، فخلقنا من نفسٍ واحدة،{ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء } (1) سورة النساء ، وجاء هذا الشرع بالإحسان بين الزوجين، والمعاشرة بالمعروف، والله عليم -سبحانه وتعالى- يعلم بأنه يكون بين الأزواج والزوجات من الخلافات، وأن بعض البيوت تنهار على من فيها، ويكون من جراء ذلك الويلات، وهذه طبيعة النفس البشرية، فيها ظلم وجهل وبغي وعدوان، وفيها أخذ حقوقها والتقصير في حقوق الغير، فأمر الله تعالى كلاً من الزوجين بالوفاء للآخر بالحقوق، وأمر أن تكون المعاشرة بينهم بالمعروف، وفراق ما بين الزوجين انهيار للأسرة وضياع للأولاد، وسبب للتعاسة والأمراض النفسية وتقطيع الأواصر، وتكريس الخلافات بين الأسر والعوائل، ولما ذكر الله تعالى في سورة النساء قوامة الرجال على النساء، وأن الرجل القائد والأمير، وأنه السيد بما فضله الله من العقل وقوة الجسد من الأمور الوهبية، وقيامه بالنفقة وقدرته على تحصيل الرزق من الأمور الكسبية، فإنه -عز وجل- ذكر أوصاف النساء الصالحات بعد ذكر وظائف الرجال، {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }.(النساء:34) قال بعدها {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}.(النساء:34) فهذا القسم الأول من النساء، المطيعات الصالحات.
تفسير آية نشوز المرأة
ذكر القسم الثاني بعده فقال {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } وهن العاصيات المتمردات وذكر كيفية التعامل مع هذا النوع، فأثنى على المطلوب، فقال {فَالصَّالِحَاتُ} العاملات بالخير المراعيات حق الله ثم حق الأزواج، القانتات المطيعات لله ثم للأزواج، الحافظات للسر الذي بينهن وبين أزواجهن، لا يطلعن أحداً عليه، ولا يفشنه لأقرب الناس إليهم، يحفظن أعراضهن في غياب الأزواج، ويحفظن كذلك بيت الزوج وماله أثناء غيابه، هؤلاء النسوة خير النساء، ((خيرُ النساء امرأةٌ إذا نظرتَ إليها سرَّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك)) (السلسلة الصحيحة:1838).
وهذه التي يبحث عنها في الزواج تحفظ بيته وسره وماله، تطيع ربها وتطيع زوجها، ثم يأتي القسم الثاني {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } أي : تمردهن، فكيف يُخاف ذلك ؟ برؤية الأمارات الدالة عليه، تخافون : تظنون أو تتيقنون، والنشوز هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هي العاصية لزوجها، الرافعة لنفسها عليه تكبراً، المتعالية، المستعصية عليه، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له، إذا دعاها لم تجب، وإذا خاطبها لم تخضع، ترفع صوتها عليه، وتتأبى عندما يناديها إلى فراشه، أو تخرج من بيته بغير إذنه وتؤذيه بالقول والفعل، أو تكون مسترجلةً تعمل أعمال الرجال، هذا بعض ما ذكره المفسرون والفقهاء في الزوجة الناشز، وقد تغتر بجمالها أو حسبها أو مالها، فيؤدي ذلك إلى الاستعلاء على الزوج والتكبر عليه وهذا هو النشوز .
بيّن -عز وجل- بهذا أن النشوز حرام، وبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- عظم حق الزوج، والنشوز محرم لأنه يولد الشحناء والبغضاء، ويوجب النفور ويقسّي النفوس، ويلحق البلاء بالطرفين، ويؤدي إلى ضياع الأولاد ووجود القدوة السيئة بينهم، فما هو الحل الإلهي والتصرف الشرعي عندما توجد مثل هذه الحال؟
المرتبة الأولى الوعظ
قال الله تعالى {فَعِظُوهُنَّ}.(النساء: من الآية34). فهذه هي المرتبة الأولى، النصح ترغيباً وترهيباً، وتخويفهن بالله تعالى، فإذا نشزت عليه خوفها بالله تعالى وذكرها بعقابه، وبيّن الله ما ذكره ربها من حق زوجها عليها، وتحريم معصيته في المعروف، يذكرها بحسن الصحبة التي جاءت بها الشريعة وجميل العشرة التي ينبغي أن تكون عليها، وهذا الوعظ مهم جداً، قال ابن قدامة رحمه الله : فمتى ظهرت منها أمارات النشوز، مثل أن تتثاقل إذا دعاها، ولا تصير إليه إلا بتكَرُّهٍ ودمدمة، فإنه يعظها، فيخوفها الله سبحانه، ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها من الإثم بالمخالفة والمعصية، وما يسقط بذلك من حقوقها، من النفقة، والكسوة، وما يباح له من ضربها وهجرها. المغني لابن قدامة (10/259).
الوعظ فن، الوعظ مهارة، الوعظ شيء عظيم، قليل من الأزواج من يتقنه، قليل منهم من يحسنه، قليل منهم من يعمله أصلاً ويلجأ إليه، وهذا أول ما ذكره الله تعالى من الإجراءات بين الزوجين، إذا نشزت المرأة، فأما إذا كان الزوج هو الظالم فإن للمسألة مسار آخر، ونحن لا نتحدث عن هذا، وإنما نتحدث عن زوج قائم بحقوق زوجته، ولكنها نشزت عليه وتأبت وترفعت، ولا بأس أن يأتي لها بالموعظة من غيره، كشريط تستمع إليه، أو شيء تقرأه، أو رجل صالحٍ من أقربائها مثلاً يعظها ويذكرها.
المرتبة الثانية الهجر
فإذا لم ينفع الوعظ ولا التذكير بالرفق واللين وأصّرت المرأة على خلافه، انتقل الزوج بعدها إلى المرتبة الثانية من مراتب العلاج والاستصلاح، وهو أشد، وهذه قاعدة واضحة في الشريعة ( البدء بالأسهل )، يوليها ظهره في المضجع، أو ينفرد عنها بالفراش، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} : الهجران ألا يجامعها ويُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ فِي فِرَاشِهِ. أحكام القرآن لابن العربي (2/338) . قال سعيد بن جبير: الهجر هجرُ الجماع. تفسير الطبري (8/302).
وجاء أيضاً: " لا يكلمها ولا يحدّثها، وذلك عليها شديد" .
والهجر إنما يكون في المضجع لا في البيت، فلا يجوز له أن يهجر في غير الفراش إذا كان الهجر في الفراش كافياً، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَلا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ)) أبو داود (2142) وأحمد. وصححه الألباني.
وهذا يدل على أن فراش الزوج والزوجة واحد، ولذلك صار الهجر في الفراش بأن يوليها ظهره، وهذا الهجر من عدم الجماع وعدم التحدث يشعرها بجدية الزوج في تصرفه، وأنه هنالك حقاً ما أزعجه لدرجة أنه صار مولياً لها، وهذا فيه تأثير شديد في نفسها، وهذه الطرق الإلهية والخطوات القرآنية من أحكم الحاكمين الذي خلق المرأة وخلق الرجل ويعلم ما يؤثر في هذا وما يؤثر في هذه .
لا زالت القضية حتى الآن سرية بينهما، وعظ بينهما، وكذلك هجراً بينهما، فإذا لم تستفد الزوجة من هذا الهجر المستثنى من حديث هجر المسلم لأخيه فوق ثلاث، بدليل هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- أزواجه شهراً تأديباً لهن لما تمالأن عليه في قصة العسل ومارية وسؤال النفقة والإحراج والإكثار والإيذاء، وإلا فلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليهجر زوجاته من شيء يسير، فإنه أكرم خلقاً من ذلك، ولعل هذا وافق شيئاً من الاعتكاف مثلاً فدخل فيه.
المرتبة الثالثة الضرب
فإذا لم ترتدع الزوجة بالموعظة ولا بالهجران، انتقل معها إلى المرتبة الثالثة والعلاج الأشد، وهو الضرب لقوله تعالى {وَاضْرِبُوهُنَّ}، لكنه لم يهمل الضرب بل قيده، كما قال -عليه الصلاة والسلام- ((فَإِنْ خِفْتُمْ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ )) رواه مسلم (1218) وأحمد (20172) واللفظ له.
قال ابن عباس:" يهجرها في المضجع، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضرب ضرباً غير مبرّح، ولا تكسر لها عظما ". [رواه ابن جرير: 9394].
وسأل عطاء ابن عباس: ما الضرب غير المبرّح ؟
قال:" بالسواك ونحوه " [رواه ابن جرير: 9399].
قال النووي رحمه الله : الضَّرْب الْمُبَرِّح: الضَّرْب الشَّدِيد الشَّاقّ, وَمَعْنَاهُ اِضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا لَيْسَ بِشَدِيدٍ وَلَا شَاقّ ولا مُجَرِّح. شرح مسلم. وعون المعبود.
" لا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ ". أحكام القرآن لابن العربي (2/341).
وقال عليه الصلاة والسلام لمن سأله عن حق الزوجة على الزوج: ((أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيتَ، وَلا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ -أي لا تقل قبحك الله أو قبح الله وجهك- وَلا تَهْجُرْ إِلا فِي الْبَيْتِ)) أبو داوود (2145)، وصححه في إرواء الغليل (2033).
إذاً من شروط الضرب ألا يكون شديداً، وأن لا يكون مسبباًً لتغير لون الجلد من خضرةٍ و زرقة، لا يؤثر في الجلد وألا يكون في الوجه وألا يكون في المقاتل، كالعنق أو يصيب العصب الحبل الشوكي ونحو ذلك من الأماكن التي يكون فيها الضرب حساساً كالبطن وربما تكون حاملاً وكم من مظلومة أجهضت بسبب عدوان زوجها عليها في بطنها .
ومن الضوابط في هذا الموضوع غير المفلوت في الشرع :
أنه إذا قدر الرجل على تأديب زوجته بغير الضرب فلا يجوز له الضرب، لأن الله ذكر قبله مراحل ومراتب، وكذلك ألا يضرب في غضبٍ أو عصبية، وأيضاً ألا يضرب بقصد الإهانة والإيذاء بل بقصد التقويم والتأديب، وأيضاً ألا يكون مبرحاً وألا يكون في الوجه ولا في الرأس والصدر والثديين والقلب والبطن، وألا يزيد عن عشر، فليتق الله الذين يضربون زوجاتهم لأتفه الأسباب، وبما حصل في يده من عقال أو نعال أو سوط وخيزرانة ونحو ذلك من حزامٍ و سلكٍ من قساة غلاط جلاف ليس في قلوبهم رحمة، ومنهم من ضرب زوجته حتى ماتت، ومنهم من تسبب لها بعاهة مستديمة، ومنهم من تسبب بتشويهٍ وعيب استمر معها إلى آخر العمر، أو لبث فيها تأثيره شهوراً وسنين .
الرد على من يقول بأن الإسلام أمر بضرب المرأة
عباد الله بهذه المناسبة نذكر أقوال بعض الطاعنين على الشريعة من الغرب والشرق والمنافقين في هذه القضية، فإنهم لا يعرفون من القرآن إلا مواضع معينة، فيخرجون علينا في صحفهم ومؤتمراتهم، ومواقعهم، وشبكاتهم، وتصريحاتهم، ومقولاتهم ليجهروا بأن الإسلام يأمر بضرب المرأة، ويستلون تلك الكلمة من القرآن : {اضْرِبُوهُنَّ}(النساء: من الآية34). ماذا قبلها ؟ لا يذكرون ؟ ماذا بعدها ؟ لا يذكرون ؟ في أي سياق هي ؟ لا يذكرون ؟ ما هي شروطه ؟ لا يذكرون، ويتعرض كثير من المبتعثين والمسافرين للخارج لمواقف محرجة، عندما يجابهون وحتى في مكان العمل من هذا الهجوم من هؤلاء الطاعنين، الإسلام يظلم المرأة، الإسلام يأمر بضرب المرأة ونحو ذلك، ولا بد أن نعرف كيف نجيب هؤلاء، لأن قيام المسلم بالذب عن دينه واجب، وإذا لم يكن عندنا حمية في الدفاع عن شرع الله فعلام الحمية إذاً ؟ فنقول لهذا الطاعن في الشريعة، هلاَ نظرت فيما قبلها وما بعدها، في السياق الذي نزعت الكلمة منه، هل تراه أمر بضربها دون سبب أو تراه بيّن ذلك بقوله : {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ }. ثالثاً : هل تراه أذن بضربها على سبب تافه أو على أمر خطير وذنب كبير سيؤدي إلى انهيار الأسرة وتفككها، وهو التمرد على الزوج، فأيهما أشد مفسدة في عقلك، أن يعاقب أو أن يترك الأسرة تنهار، رابعاً : هل تراه أمر بالضرب في أول الأمر أم جعله في آخر المراتب، وجعل قبله معالجات، فالوعظ أولاً، والهجر ثانيا،ً فإذا لم يكن إلا هذا بعد ذلك فهو كاستعمال العلاج المرّ، فهل تستعمل علاج مّر أم تترك المرض يتفاقم؟ خامساً : هل تراه أذن بالضرب بأي طريقة وفي أي مكان ؟ أما كان رفيقاً بالنساء حتى في العقاب، فقيّد الضرب وحدده ومنع فيه إصابة المقاتل وعدم الإهانة بالضرب على الوجه، ومنع ما يكسر وما يجرح وما يغير لون الجلد، بل قالوا لا يوالي الضرب في مكان واحد، ولا يبلغ به عشراً، وعلى قدر الحاجة ولا يتعدى فيه . سادساً : هل تراه أمر بالضرب أمر إيجابٍ أم أمر إباحة، هل الضرب هنا ضرب إيجاب أم ضرب إباحة، قال الشافعي رحمه الله : الضرب مباح وتركه أفضل. وبوب البخاري في صحيحه : ( بَاب مَا يُكْرَه مِنْ ضَرْب النِّسَاء ) قال ابن حجر: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ ضَرْبهنَّ لَا يُبَاح مُطْلَقًا, بَلْ فِيهِ مَا يُكْرَه كَرَاهَة تَنْزِيه أَوْ تَحْرِيم. فتح الباري. وقَالَ -عليه الصلاة والسلام- : ((لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ)) –منع الضرب- فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ: ذَئِرْنَ [ نشزن وتجرأن وساء خلقهن] النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ. فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ)). أبو داود (2146) والدارمي وصححه الألباني.
سابعاً : أن هذا يتفاوت بتفاوت الأحوال .
قال ابن العربي: فَأَبَاحَ وَنَدَبَ إلَى التَّرْكِ. أذن ثم قال : ((لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ)) بعدما منع في البداية .
قال : وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ لَا يَسْتَوُونَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُقْرَعُ بِالْعَصَا وَالْحُرَّ تَكْفِيهِ الْإِشَارَةُ؛ وَمِنْ النِّسَاءِ، بَلْ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْأَدَبُ، فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّبَ، وَإِنْ تَرَكَ فَهُوَ أَفْضَلُ. أحكام القرآن لابن العربي (2/342).
قَالَ شُرَيْحٌ: تَزَوَّجتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ، فَصَحِبَتْنِي ثُمَّ هَلَكَتْ قَبْلِي.
قَالَ: فَوَدِدْت أَنِّي قَاسَمْتهَا عُمْرِي أَوْ مِتُّ أَنَا وَهِيَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، ثم قال:
رَأَيْت رِجَالًا يَضْرِبُونَ نِسَاءَهُمْ فَشُلَّتْ يَمِينِي يَوْمَ أَضْرِبُ زَيْنَبَا
أحكام القرآن لابن العربي (2/336).
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تزوج من النساء عدداً واجتمع عنده في وقت واحد تسع منهن، فقالت عَائِشَة: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلا امْرَأَةً، وَلا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) مسلم (2328).
ثامناً : كما أن الشرع لم يترك الزوج، وإنما وعظه وذكره في الآية، وخوفه وتوعده بالعقاب إن طغى، والحساب إن بغى، فقال -عز وجل- : { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ }. أي رجعن عن النشوز إلى طاعتكم يا أيها الأزواج،{ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } (34) سورة النساء ، ولا تطلبوا طريقاً من الضرب أو الهجران على سبيل التعنت والانتقام، فإذا حصلت الطاعة مسحت الأخطاء، وإذا تابت الزوجة وعادت، فيجب ترك العقوبة والتوبيخ عما مضى، وأن يعود الزوج إلى البشاشة والملاطفة، وأنواع الإحسان وعدم التعيير بما مضى .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : تلك المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره فأمر الله عز وجل أن يعظها ويذكرها بالله، ويعظّم حقه عليها، فإن قبلت وإلا هجرها في المضجع، ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها، وذلك عليها شديد، فإن رجعت وإلا ضربها ضرباً غير مبرّح ولا يكسر لها عظماً ولا يجرح لها جرحاً، فإذا أطاعتك فلا تتجنى عليها العلل. [أخرجه الطبري: 9349، وابن أبي حاتم].
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً } سلطانه فوق سلطانكم يا أيها الرجال، {كَبِيراً} في ذاته وصفاته فلا أكبر منه، وله الكبرياء سبحانه، فخافوه يا أيها الرجال ولا تتكبروا فهو الكبير المتعال، وله الكبرياء في السماوات والأرض، وهذا تهديد واضح للرجال في آخر الآية بأن الله قادر على الانتقام من الباغي وأنه علي كبير -سبحانه وتعالى- جبار ينتقم من الظالم .
إحصاءات لضرب المرأة عند من يدّعون مناصرة حقوقها
تاسعاً: نقول لهؤلاء الذين يتكلمون، انظر من الذي يتكلم، في الولايات المتحدة هنالك 79% من الرجال يضربون النساء، وهنالك 17% من النساء يدخلن غرف الإسعاف نتيجة لذلك الضرب، وصرّح إيفان ستار الذي أعد الدراسة : بأن ضرب النساء في أمريكا ربما كان أكثر الأسباب شيوعاً للجروح التي تصاب بها النساء، حتى أنها تفوق جروح النساء في حوادث السيارات والسرقة والاغتصاب جميعاً، وتضيف جينيس مور منسقة منظمة الإتلاف الوطني ضد العنف المنزلي في كارولينا : أن هذه المأساة مرعبة حقاً، ووصلت إلى حد هائل، فالأزواج يضربون نساءهم في سائر الولايات المتحدة، ونوعية الإصابة تتراوح بين كدمات سوداء حول العين وكسور في العظام وحروق وجروح وطعن بالسكين وجروح الطلقات النارية، وتتعرض ما لا يقل عن ألف امرأة في ألمانيا لعنف جسدي يمارسه الأزواج أو الرجال الذين يعاشروهن وصار عندهم قضية ضرب وإيذاء الأصدقاء والخلاّن لصديقاتهم وخليلاتهم، وفي فرنسا يقول أمين سر الدولة لحقوق المرأة ميشال أندريه : حتى الحيوانات تعامل أحياناً أحسن منهن، فلو أن رجل ضرب كلباً في الشارع فسوف يتقدم شخص ما بشكوى إلى جمعية الرفق بالحيوان، وأما لو ضرب الرجل زوجته في الشارع فلن يتدخل أحد، ونقل صحيفة فرانس سوار في تحقيق لها حول الموضوع : أن 92,17% من عمليات الضرب بين الأزواج في المدن، و60% من استغاثات الليل من نساء يسيء أزواجهن معاملتهم، 60% من استغاثات الليل ليست من اللصوص، أو وجع أو مرض مفاجع، بل من نساءٍ يسيء أزواجهن معاملتهن، و70% من النساء في بريطانيا يشعرن بالمهانة في حياتهن الزوجية، وفي تقرير بريطاني ذكر أن 77% من الحالات يضرب الزوج زوجته دون أن يكون هناك مبرر لهذا الضرب، وليس الأمر في المشرق بأحسن حالاً، ففي الصين حالات كسر الأطراف وتعذيب الزوجات وطردهن إلى حظائر الحيوانات، ولا توجد أي مراكز هنالك تلجئ إليها الزوجة الهاربة من الضرب، وفي كندا 150 ألف رجل يضربون نسائهم، وأربعة آلاف امرأة تنتهي حياتها سنوياً من ضرب الزوج، وأشار مكتب التحقيقات الفيدرالية إلى أن 40% من حوادث القتل ضد السيدات يرتكبها الأزواج، -يسمونها سيدة ثم تقتل -، وفي إحدى الدراسات في أحد المستشفيات الكبرى الأمريكية أن 25% من محاولات الانتحار قام بها زوجات يسبق ماضيهن سجل حافل من ضرب الأزواج، وليست القضية مجرد اعتداء أو تصرفات من الشعب فقط، بل المسألة فيها نوع تنظير، ففي فرنسا بلد الرقة والنعومة التي اشتهرت بتدليل المرأة، عبارة مشهورة لأديبهم الفرنسي الكسندر دوماس يقول فيها : المرأة الفرنسية كشرائح اللحم، كلما ضربتها أكثر ازدادت رقةً وليونة .
عباد الله هذا غيض من فيض مما هو موجود عندهم، فمن الذي يتكلم ؟ انظر من الذي ينتقد؟ من الذي يقول الإسلام ظلم المرأة، من هو ؟ وبالمناسبة أكثر المنافقين والعلمانيين الذين يتكلمون في حقوق المرأة اليوم، ويريدون أن يتمرد الطفل على أهله بإشاعة بعض حوادث العنف الأسري، ولهم من وراء ذلك أهداف خطيرة، في قضية سلب السلطة من الأبوين، وتمرد الأطفال، هنالك من وراء ذلك مرامي كبيرة وخطيرة، هم أنفسهم من أسوء الناس معاملة لزوجاتهم وسجلات المحاكم والاستغاثات وقصص الأقارب والمستشارين الاجتماعيين واللجوء يشهد بذلك، فالذي ينتقد هو من أسوء الناس سجلاً فيها .
عباد الله، شرعنا عظيم، شرعنا حكيم، شرعنا مستقيم، ماذا لو لم ينفع التعليم من جهل، ولا التذكير من النسيان بالموعظة، ولا الهجر، ثم لم ينفع الضرب غير المبّرح، هل قال: اضربوهن ضرب مبرحاً ؟ لا، لو تواصل الاحتقان والتأزم النفسي، فعند ذلك انتقل الشرع إلى علاج آخر، فإن جعبة الشرع من الحلول فيها الكثير والكثير، فقال سبحان بعدها في الآية التي تليها مباشرة : {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}(النساء: من الآية35). وإن تتطور الأمر إلى وقوع الشقاق، الذي يصبح هو في شقٍ وهي في شقٍ وهذا من معاني الشقاق، ومن معانيه الشر والعداوة والنفور التام، والنزاع المستمر، ولم تعلم من هو المخطئ منهما ولم تصلح الأحوال، {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} هنا لما لا يكون هنالك فائدة من بقاء الأمر محصوراً في دائرة الزوجين وهذا هو الأفضل بلا شك، سيخرج إلى نطاق آخر ولكنه لا يزال نطاقاً ضيقاً خاصاً، {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}(النساء: من الآية35) بعد هذا كله {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}(النساء: من الآية35). فما معنى هذا ؟ ولماذا ؟ حكمة عظيمة من رب العالمين .
اللهم أصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، أصلح شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، عليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإليك المصير، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، سبحانه الله والحمد لله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، البشير والنذير والسراج المنير، أرسله الله رحمة بالعالمين، وبعثه بالحق ودين الهدى، صلى الله عليه وعلى آله وذريته وصحبه، وأزواجه وخلفائه،والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
المرتبة الرابعة اختيار الحكمين
{ وَإِنْ خِفْتُمْ } يا أيها الحكام ومنهم القضاة، والأولياء أو يا أيها المؤمنون عموماً، { وَإِنْ خِفْتُمْ } يدخل في ذلك الزوجات : { فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا } أرسلوا، والأمر للوجوب، لأن مصلحة الأسرة في حكم الشرع مهمة جداً، { فَابْعَثُوا } شفقة المسلمين لبعضهم البعض، شفقة الحكام، وولاة الأمر، القضاة، أهل الحل والعقد، وجهاء الناس، يا أيها المؤمنون عموماً، يجب أن يقام بهذا الحكم، ممن يستطيع إقامته، الخطاب موجه له، { فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا } المؤمنون أهل الإسلام يد واحدة، يسعى بعضهم في إصلاح بعض،{ حَكَماً}رجلاً حراً ثقة عدلاً خبيراً بدقائق الأمور، بصيراً بطرائق الإصلاح، عارفاً بالأحكام أميناً يكتم الأسرار . حكماً ينبغي حسن اختياره ليكون قادراً على إنجاح المهمة، حكماً كلمة كبيرة، أولاً { مِنْ أَهْلِهِ } : من أقارب الزوج، { وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا } : من أقارب الزوجة . لماذا ؟ قال المفسرون : لأنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال، وأطلب للصلاح، - وآمن وأحفظ للأسرار فتحصل بهما طمأنينةٌ أكثر- ونفوس الزوجين تسكن إليهم، ويبرز إليهم ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة، وموجبات ذلك ومقتضياته وما يخفيانه عن الأجانب، ولا يحبان أن يطلعوا عليه . الكشاف (1/407).
لأن أباها ينتظر وأبوه ينتظر وأمه تنتظر وأمه تنتظر، قد يكون الأولاد في حال انتظار وترقب، ماذا يفعلان ؟ يستكشفان الحال، يتعرفان على الظالم والمظلوم، يتبينان أسباب الخلاف، يستمعان من الطرفين، والاستماع أمر مهم، ومناقشة ثم يجتمعان ويتحاوران ويتشاوران فيما هو الأصلح للزوجين من الموافقة أو المفارقة، وإذا كان الاستمرار فبأي طريقة يكون، وماذا يلزم به الطرفان، وإذا كان الفراق فبأي طريقة يكون ؟ طلاقاً خلعاً فسخاً بعوض بغيره، فإن تعذر أن يكون الحكمان من أقارب الزوجين فلا بأس أن يكون من الأجانب كما قال العلماء، فإن لم يكن لهم أهل، قد يكونان في بلد غربة، جاليات إسلامية في الخارج، أو كان ولم يكن فيهم من يصلح لذلك، ليس بعدلٍ، لا يوجد من أقاربها أو من أقاربه من يصلح، قال العلماء : فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَخْتَارُ حَكَمَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، - وبالإضافة إلى ذلك - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَا جَارَيْنِ. أحكام القرآن لابن العربي (2/351).
الجيران لهم دور، وعندهم شيء من الإلمام في الموضوع، أما توكيل المحامين يا عباد الله أرى أنه أكثره لا يأتي بخير، فإن استؤجر كان حريصاً على إطالة أمد النزاع ليأخذ أكثر، طريقة المحامين في هذه القضية ليست قضية ناجحة في الغالب، لا نقول في كل الحالات في الغالب، بل مما يزيد الشقاق ويعقد القضية وكل محامي يتحامى، هل تتصور، أن يقوما هذان وهما يأخذان المال، بسرعة لفلفة القضية والإصلاح وإنهاء الموضوع، فعلى أي شيء سيأخذان المال إذا تمت القضية بسرعة، ولذلك التجارب تقول أن أصحاب المصلحة المادية لا يصلحون للتدخل في هذه القضايا، هذه عملية إصلاح ليست عملية محاماة ومنافحة ومطالبة بحقوق وشد وجذب، قال الله{ فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا} ما قال فلوساً ونقوداً وشيكات ونسبة من مال الخلع ومال المهر ومال المؤخر.
سعي الشريعة للصلح بين الزوجين
{ إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً } أهمية صلاح النية وحسن النية من الحكمين، { إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً }، الله أكبر، أشار إلى الإخلاص، أشار إلى حسن النية، ثم عليهما ألا يدخرا وسعاً في ذلك، ما قال الله أن يريد إصلاحاً يفرق الله بين الطرفين ويغني كلاً من سعته، قال { إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا }(النساء: من الآية35). وجمهور المفسرين على أن المراد بقوله : { إِنْ يُرِيدَا } يعني الحكمين، إصلاحاً، { يوفق الله بينهما } : يعني بين الزوجين، فانظر إلى أثر حسن نية الحكمين على صلاح الأمر بين الزوجين، وانظر إلى تأثير حسن النية في الحصول على النتيجة المرجوة، فإذا حسنت نية الحكمين وكانا ينويان التوفيق بين الزوجين ولا يدخران وسعاً في الإصلاح، قوله : { إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } بين الزوجين معناها أن الشرع يريد هذه النتيجة، حريص على وصول الأمر إلى هذه النهاية السعيدة، يوفق الله، ألفة ومودة تعود، ورحمة تنزل، لأن المقصود الوئام، الشرع يتشوف إلى الوفاق لا إلى الفراق، { إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } ببركة حسن نيتهما، وسعيهما في الخير، ومريد الإصلاح بصدقٍ حتى في الإصلاح بين شريكين أو جارين، أو زوجين، يوفقه الله للحق والصواب، والتدخل غير الحكيم مفسد، تضخيم السلبيات مصيبة، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- : ((لعن الله من خبّب امرأة على زوجها)). [أي: أفسد عليه ] . وختم الله الآية بقوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } عليماً بما يصلح، وبما يصلح، عليم ببواطن الزوجين، وسرائرهما، وجدوى الجمع بينهما، عليم خبير هل المصلحة في التفريق أو في الاجتماع، عليم بخفايا صدور الحكمين وبواطن الأمور، عليم { كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } عليماً خبيراً بمن يصلح بالإصلاح، ومن لا يصلح للإصلاح، عليم بسبب الخلافات بين الزوجين، عليم بالظالم وعليم بالمظلوم، ولذلك ختم الآيات بالأسماء الحسنى في غاية المناسبة وفيه مجال عظيم للتدبر لمن وفقه الله إلى ذلك، { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً }.
قال العلماء : إذا كان القاضي هو من عيَّن الحكمين فقد قال بعض العلماء: إن حكمهما نافذ في الجمع والتفريق حتى وإن لم يرض الزوجان، وقيل: يَنْفذ حكم الحكمين في الجمع دون التفريق. وأما إذا كان تعيين الحكمين من طرف الزوجين فيَنْفُذ حكمهما في الجمع والتفرقة بلا خلاف.
وأجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول أحدهما دون الآخر .
ولا ينبغي للزوجين عموماً أن يصل بهما الأمر إلى بعث الحكمين فإن مرحلة تعيين الحكمين مرحلة تدل على فقدان كل من الزوجين لإمكانية الحل من الجهة الخاصة .
وينبغي إبعاد الأطراف المسببة لتفاقم الأزمة، لأنها تصل أحياناً إلى درجة صراع بين قبيلتين، ويتعصب أهل الزوج للزوج، وأهل الزوجة للزوجة، وموعد اللقاء في المحكمة .
وقع شجار بين الزوج وزوجته، فجلست المرأة تبكي...
وفي هذه الأثناء طرق أهلها الباب وقد أتوا لزيارتها, فسألوها عما بها، فقالت: جلست أذكركم فبكيت وتمنيت لو أني أراكم، فسبحان الذي جمعنا..
فسمعها الزوج تقول ذلك، فعظمت في عينه، وزاد قدرها في نفسه، فأكرم أصهاره، وأصلح الأمور، وبعث بهدية ثمينة إليها .
وقيل لأبي عثمان النيسابوري: ما أرجى عملك عندك؟.
قال: كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فآبى.
فجاءتني امرأة، فقالت: يا أبا عثمان، إني قد هويتك، وأنا أسألك بالله أن تتزوجني.
فأحضرت أباها - وكان فقيراً - فزوجني منها وفرح بذلك.
فلما دخلت إلي رأيتها عوراء عرجاء مشوهة.
وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج، فأقعد حفظاً لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئاً وكأني على جمر الغضا من بغضها.
فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي قلبها.[صيد الخاطر: 132]
نشوز الزوج
عباد الله، قد يحدث من الزوج نشوز أيضاً، فجاءت الآية 128 من نفس السورة سورة النساء، يقول فيها تعالى : {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}(النساء: من الآية128).
نشز الزوج على زوجته، جفاها وأضر بها، قالت: عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنْ امْرَأَتِهِ مَا لَا يُعْجِبُهُ كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ، فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا وَالزَواج بغَيْرهَا، فَتَقُولُ: أَمْسِكْنِي وَلَا تُطَلِّقْنِي ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي، وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ.قَالَتْ: فَلا بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا. البخاري (2694).
فإذاً إذا خافت إعراضاً من زوجها عنها لكبر سنها أو مرض بها أو غير ذلك من الأسباب، فلها أن تسقط بعض حقوقها لتسترضي زوجها ليبقيها في عصمته، كما فعلت ذلك سودة رضي الله عنها .
عباد الله هذا هو الفقه والله العظيم في هذه الشريعة، وربنا عظيم وشرعه عظيم، فانظر إلى التدرج، {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ } {وَاضْرِبُوهُنَّ }(النساء: من الآية34). {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا }(النساء: من الآية35). مراحل وأشياء، تحتاج إلى فقه، من يعرف معاني الآيات ؟ من يدرك أحكام الشريعة ؟.
اللهم إنا نسألك العدل في أهلينا وما ولّينا، اللهم اجعلنا على الصراط المستقيم، اللهم إنا نسألك الإخلاص في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عينٍ لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت، ونسألك عيشةً هنية وميتة سوية طيبةً يا رب العالمين، اللهم اجعلها شهادة في سبيلك يا أرحم الراحمين، واختم لنا بخاتمة السعادة، آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا في عافية وخير وبركة ورحمة منك يا رب العالمين، انصر المجاهدين، واحم حوزة الدين، واقمع أهل البدعة والمنافقين، وانصر الدعاة وأهل العلم العالمين، يا رب العالمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين .